في ظلّ تحديات فايروس كورونا المستجد
العالم يحتفي باليوم العالمي للاتصالات ومجتمع المعلومات
بقلم الدكتور المهندس غازي الجبور
الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم قطاع الاتصالات
يشارك الاتحادُ الدولي للاتصالات مختلفَ دول العالم الاحتفال باليوم العالمي للاتصالات ومجتمع المعلومات اليومَ الأحد 17/5/2020، حيث تمّ اختيار السابع عشر من أيار من كلّ عام لهذه المناسبة نظراً لارتباطه بحدثين تاريخين هامين في تاريخ الاتصالات على مستوى العالم، وهما ذكرى توقيع أول اتفاقية دولية للتلغراف، وإنشاء الاتحاد الدولي للاتصالات الذي أسس سنة 1865 تحت مسمّى الاتحاد الدولي للبرق، ومنذ ذلك الوقت واكب الاتحاد كثيراً من التطوّرات التي جسّدتها التكنولوجيا وما لعبته من دورٍ أساسيّ في سبيل تعزيز آليات التواصل بين مختلف المجتمعات الإنسانية وفق أهداف طموحة ومتنوعة غايتها الارتقاء بالحياة البشرية والوصول بها إلى أعلى مستويات التقدّم والازدهار.
واليوم، وفي ظلّ المستجدات الكثيرة التي يواجهها العالمُ بسبب جائحة كورونا، وما فرضته من تحديات كثيرة على مختلف الدول باتت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تلعب الدور الحيويّ الأكثر أهميّة في سبيل تمكين المجتمعات البشرية من مواجهة الأزمة والحدّ من آثارها، ففي ظلّ سياسات التباعد الاجتماعي التي فرضتها معظم دول العالم بوصفها خياراتٍ أساسيةً للحدّ من انتشار الفايروس باتت الخدمات التي تقدّمها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحلّ الأكثر مرونةً وأماناً وسهولةً لتجاوز كثيرٍ من التحدّيات التي يواجهها العالم، والاستجابة للمستجدات والتحوّلات الكثيرة التي فرضها انتشار الفايروس، إذ إنها كانت الحلّ الذي مكّن الأسر، والعاملين في المجالات الصحيّة، ومؤسسات التعليم، والقطاعات الاقتصادية المختلفة، من البقاء متّصلين فيما بينهم ومع العالم الخارجي لضمان استمرار تقديم الخدمات الأساسيّة للمواطنين في مختلف دول العالم، والتي لولاها لأمكن القول بأنّ الحياة البشرية قد توقّفت على نحو فعلي بسبب جائحة كورونا.
فعلى مستوى التعليم على سبيل المثال، وفي الوقت الذي أشارت فيه تقارير اليونيسكو إلى أن أكثر من 177 دولة أجبرت على إغلاق المدارس والجامعات بشكل كامل، قدّمت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الأدوات اللازمة لضمان استمرار تلقي الطلاب لتعليمهم بشكل آمن وفعال، حيث بات بإمكان الطلبة ومعلميهم التواصل عن بعد بفضل التقنيات والأدوات التي تتيحها تكنولوجيا الاتصالات.
وعلى مستوى سير العمل في الوزارات والدوائر الحكومية، والمؤسسات والشركات في القطاعين الخاص والعام، اتّبعت معظم هذه الجهات نهجا احترازياً عبر توجيه موظّفيها للعمل من المنزل باستخدام تقنيات ومنصات إلكترونية متنوعة للحفاظ على استمرارية الأعمال الأساسيّة دون توقّف. فضلاً عمّا وفّرته التكنولوجيا من أدوات لضمان استمرار تلقي وتبادل الخدمات في مجالات متنوّعة كثيرة كالتسوّق والدفع الإلكتروني وإقامة الاجتماعات وغيرها.
وقد استطاع الأردن، بفضل الدعم الكبير الذي يحظى به قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من لدن جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين المعظم حفظه الله ، والبنية التقنية التي يمتلكها، بالإضافة إلى تظافر الجهود بين مختلف الوزارات والقطاعات، أن يتجاوب على نحو إيجابي مع الأزمة وأن يقدّم نموذجاً ناجحاً في التعامل معها ، سواء من خلال المنصات التي أطلقت لضمان استمرار التعليم عن بعد، أم من خلال التطبيقات التي أُنشئت لضمان استمرارية العمل في مختلف القطاعات الحيوية في المملكة، ما عكس واقعاً إيجابياً يدعو للتفاؤل بمستقبل أكثر ازدهاراً وتطوراً لهذا القطاع الحيوي في المملكة.
إنّ احتفال العالم باليوم العالمي للاتصالات ومجتمع المعلومات يأتي هذا العام تحت شعار: " التوصيل في 2030: تكنولوجيات المعلومات والاتصالات من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة" وهو موضوع يؤكد التزام الاتحاد الدولي للاتصالات بتعزيز مستويات التواصل بين مختلف شعوب العالم، ويوضّح بشكل جليّ كيف يمكن لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات أن تسهم في دعم مختلف الجهود الدولية التي يبذلها العالم من أجل الوصول إلى التنمية الشاملة المستدامة في مختلف القطاعات بحلول سنة 2030، إذ ليس ثمّة شكّ في أنّ لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ارتباطا وثيقا بمختلف القطاعات الحيوية، بوصفها عنصراً أساسيّا لتطوّر هذه القطاعات وازدهار الأعمال فيها، وهنا يتَضح دور هيئة تنظيم قطاع الاتصالات التي حدّدت رؤيتها بالتميّز في جعل قطاعي الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وقطاع البريد، أكثر القطاعات دعماً للنمو على الصعيد الوطني والأفضل أداءً في التنظيم على الصعيد الإقليمي، إذ تؤمن الهيئة بالدور المحوري المنوط بتكنولوجيا الاتصالات لتحقيق التنمية الشاملة المستدامة، وتعزيز فرص وطننا بالتقدّم والازدهار.
إنّ الواقع الذي يعيشه العالم اليوم، على الرغم مما يحمله من تحديات جمّة بسبب انتشار فايروس كورونا، إلا أنه في المقابل أعطى الثقة بقدرة الجنس البشري على التجاوب مع التحديات والتعامل معها بمرونة واقتدار، وقد أسهمت تكنولوجيا المعلومات والاتصال بذلك على نحو أساسيّ وأدّت إلى تغيير تجاربنا الثقافية والإنسانية والعملية ومنحها قدرا أكبر من التنوّع في ظل هذه الأوقات الحرجة، وذلك من خلال عدد كبير من الأدوات والتقنيات التي وفّرت الفرص لضمان استمرارية الإنتاج وتبادل الخدمات والتواصل الفعال، وتعزيز مستويات المشاركة والإبداع والتعلم في مجتمع إنساني أصبح أكثر ترابطاً واعتماداً على المعرفة.