اليوم العالمي للاتصالات ومجتمع المعلومات
"ريادة الأعمال في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
من أجل إحداث تأثير اجتماعي"
بقلم الدكتور المهندس غازي الجبور
الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم قطاع الاتصالات
في السابع عشر من أيار من كلّ عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للاتصالات ومجتمع تقنية المعلومات، وهو اليوم الذي يوافق ذكرى تأسيس الاتحاد الدولي للاتصالات سنة 1865 تحت مسمى الاتحاد الدولي للبرق. ومن المؤكد أن التحوّل في المسمّى يجسّد بوضوح تاريخ الاتحاد، وما طرأ عليه من تحولات واكبت التطوّر المتسارع في التكنولوجيا وما لعبته من دورٍ أساسيٍّ في تعزيز آليات التواصل بين المجتمعات غايتها الارتقاء بالحياة البشرية والوصول بها إلى مستويات متقدّمة من الازدهار والرفاهية.
واليوم، يواصل الاتحاد مسيرته وفق أسسٍ علميةٍ ومنهجيةٍ واضحة، ركيزتها الإبداع والابتكار في عالم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتوصيل العالم ببعضه البعض؛ ليرسم تصوراً لدوره في السنوات القادمة في تعزيز العلاقات الإنسانية، وتوفير أحدث التقنيات في مجال الاتصالات، ورفع كفاءة النشاطات الأساسيّة التي تمسّ الحياة البشرية ها والارتقاء بمستوى جودتها ونوعيتها، وعلى نحو متساوٍ في أنحاء العالم.
لقد أصبح الاقتصاد العالمي معرفياً أكثر مما سبق ومعتمداً على سرعة تولُّد المعرفة، لا سيّما في ظل تطوّر وسائل قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. إنّ تحديات تطوير وتحسين مستوى خدمات قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في العالم تبدو كبيرة؛ وفي خضمّ ذلك يتقارب العالم الحقيقي والافتراضي معاً لخلق بيئات ذكية تجعل كثيرا ًمن مجالات الحياة أكثر ترابطاً وتواصلاً. وفي هذا السياق برز دور ريادة الأعمال في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بوصفه محوراً أساسياً من منظومة التطوير التي تشكّل جزءاً محورياً من رؤية الاتحاد الدولي للاتصالات المستقبلية؛ وهو ما يؤكّده اختيار شعار احتفالاته السنوية باليوم العالمي للاتصالات لهذا العام بـ "ريادة الأعمال في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أجل إحداث تأثير اجتماعي".
وبما أن ريادة الأعمال بجوهرها هي عملية إنشاء منظمات جديدة أو عملية تطوير منظمات قائمة- عادة ما تكون منشآت أو مشاريع صغيرة أو متوسطة الحجم SME- وذلك بالاستجابة إلى فرصٍ جديدة عامة، ، فإنّ أهميتها تكمن في اعتمادها على المعارف واقتناص الفرص التي توفرها الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لتحسين نوعية رأس المال، وعوامل الإنتاج، والانطلاق مما يمكن لهذه المنشآت أن تسهم في تحقيقه على مستوى التنمية الاقتصادية المستدامة، وخلق فرص عمل جديدة، وخفض مستويات الفقر والبطالة والإسهام الفاعل في تحقيق العدالة الاجتماعية لا سيّما في الدول النامية التي وجدت من وسائل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات انطلاقة لها. وهو ما يؤكّده المشهد الاقتصادي المعاصر الذي يشير إلى أنّ المشاريع الصغيرة والمتوسطة أصبحت جزءاً أساسياً من القوى الموجّهة لفرص التوظيف. فعلى النقيض من العصور السابقة، التي كانت فيها الاقتصادات الكبرى تعتمد على الأنشطة الاقتصادية التقليدية، فإنّ تقنية الاتصالات والمعلومات هي أبرز سمات العصر الحالي، وليس أدلّ على ذلك من وصف العلماء والباحثين له بعصر المعلومات.
لقد سعى الأردن، بوصفه دولة تعتمد أساساً على الموارد البشرية المؤهلة، إلى دعم الابتكار وريادة الأعمال في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إذ تعمل المملكة وبتشجيع ومساندة من لدنّ جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله ورعاه على توفير بيئة محفّزة لريادة الأعمال، ودعم تأسيس المشاريع الصغيرة والمتوسطة في هذا القطاع، فضلاً عن محاولة توفير حاضنات داعمة لهذه المشاريع، لتمكينها من تقديم منتجات مبتكرة في سوق الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. والخطوات الجادة في هذا المجال آخذة في التصاعد، حين نرى العديد من المشاريع الريادية تظهر للعيان وبالتنسيق مع القطاعين العام والخاص والموجّهة إلى كافة الفئات المستهدفة.
إنّ ريادة الأعمال في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لا تُحقق أهدافها وغاياتها إلا من خلال توفُّر بُنية تحتية قادرة على دفع الأفكار المبدعة إلى واقعٍ ملموسٍ قادرٍ على إحداث التغيير المطلوب، وهنا يبرز دور هيئة تنظيم قطاع الاتصالات حينما سطرت رؤيتها بتكوين بيئة اتصالات وخدمات بريدية متطورة تدعم بفاعلية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في الأردن وتحفيز التنافسية فيه، وذلك من خلال الجهود المتخصصة والمتواصلة التي تبذلها في مجال تعزيز وتدعيم البنية التحتية لقطاع الاتصالات وعلى النحو الذي يسهم في تقديم الخدمات بكفاءة وفاعلية وجودة تدعم تنفيذ المشاريع والبرامج الريادية، والتي يظهر أثرها على قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في توفير فرص عملٍ نوعيةٍ مميزة، وتعزيز الاستفادة من الموارد البشرية المؤهلة على النحو الذي تسهم في دعم الاقتصاد الوطني، وتمكين الشباب الطموح من بناء مستقبلٍ مشرق، يحققون فيه ذواتهم، ويجدون فيه أنفسهم فاعلين ومؤثرين في خدمة وطنهم، الأمر الذي يتطلب من كافة الجهات العمل على إيجاد بيئات محفزة للإبداع والابتكار، وتحويل تلك الفئة من فئة الباحثين عن عمل إلى مُوفِّري فرص عمل في مجالات الاتصالات والبرمجيات والإعلام الرقمي والتجارة الإلكترونية وتطبيقات الهواتف المتنقلة وغيرها من المجالات.
ونحن في هيئة تنظيم قطاع الاتصالات، نعمل بإخلاصٍ وتفانٍ من أجل رفعة وطننا وازدهاره، فالتغيّرات المتسارعة التي نعاينها في مختلف نواحي الحياة من حولنا، تستلزم منا أن نستلهم ونسخّر كلّ طاقاتنا، ونوظّف كلّ إمكاناتنا، لتحقيق الفائدة من هذه الفرص، وتجاوز ما يعترض طريقنا من تحديات.