أزمة النقل وحلول الاتصالات
بقلم الدكتور غازي الجبور
رئيس مجلس مفوضي هيئة تنظيم قـطاع الاتـصالات
يُعد قطاع النقل العام قطاعاً حيوياً واستراتيجياً هاماً يلعب دوراً كبيراً في دفع عجلة الاقتصاد والتنمية في العديد من الدول حول العالم، إلا أنه يشهد العديد من التحدّيات من أهمها حوادث الطرق والتلوث البيئي والازدحامات المرورية؛ وفقاً لإحصائيات مجموعة البنك الدولي (World Bank Group) يتسبب هذا القطاع بوفاة (1,3) مليون شخص سنوياً، وجرح (78) مليون شخص90% منهم في الدول النامية، كما يتسبب التلوث البيئي الناتج عن وسائط النقل بوفاة (800) ألف شخص عالمياً، وقد ذكرت الهيئة الأوروبية أن الازدحام المروري في المدن يكلف (100) مليار يورو سنوياً وأن النقل في المدن يساهم بما نسبته 40% من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2). كما أفادت الاحصاءات في بريطانيا حسب جريدة التلغراف 2013 بأن مستخدمي أماكن الاصطفاف يقومون بالتجول لمدة (7) دقائق لإيجاد مكان اصطفاف، بينما ذكرت الاحصائيات الامريكية في مدينة لوس انجلوس بأن 28% من السائقين يتجولون بالسيارات مدة 11- 20 دقيقة لإيجاد مكان للاصطفاف والتي تُرجمت إلى قطع مسافة (970) ألف ميل لإيجاد مكان اصطفاف وانبعاث (730) طن من ثاني اكسيد الكربون واستهلاك (47) ألف جالون وقود، أما محلياً وكما جاء بتقارير البنك الدولي بأنه ترتفع نسبة الزيادة على وسائط النقل بمعدل 10% سنويا ومن المقّدر أن يصل عدد السيارات إلى (1,2) مليون سيارة عام 2025.
إن هذا الواقع يفرض علينا البحث عن سبل وتقنيات تمكنا من تجاوز هذه المشاكل والتحديات وبأقل التكاليف الممكنة كما سنستعرض هنا، حيث يمكننا تسخير قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لدعم وتمكين قطاع النقل الذي يتسبب بإنبعاث الغازات عالمياً بنسبة 14% من الحجم الكلي بينما سيقلل قطاع الاتصالات هذه النسبة لتصبح 11,69% في عام 2025، وعلى الرغم من أن كِلا القطاعين يواجهان العديد من الصعوبات مثل عدم تمهيد وتغطية الطرق لدى ثلث العالم، وارتفاع تكلفة حزم الانترنت عريضة النطاق لدى كثير من الدول الإفريقية بحيث تزيد عن دخل 60% من شعوب تلك الدول، إلا أن تسخير قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في دعم قطاع النقل سيساهم في زيادة سعة شبكات الطرق الحالية بنسبة تتراوح من 200% إلى 300%، وذلك بالاستخدام الأمثل لأنظمة السيطرة والمجسات والكاميرات دون الحاجة لبناء شبكات طرق جديدة وبما يساهم في تقليل الازدحام المروري وانبعاث الغازات المسبب الرئيسي للتلوث.
هنالك نوعان من أنظمة الاتصالات لتنظيم عملية النقل والمرور؛ النوع الأول المستخدم من قبل إدارات السير والبلديات وهو عبارة عن أنظمة لمراقبة مستخدمي أجهزة الاتصالات المتنقلة ومنها أنظمة واي فاي توضع ملاصقة للإشارات الضوئية مثل نظام (Bliptrack) التي تُستخدم في هندسة المرور وإعادة برمجة الإشارات الضوئية ويتم إرسال معلومات الاختناقات المرورية إلى سائقي السيارات لتجنب المناطق المزدحمة، وهنالك نظام قراءة لوحات أرقام السيارات الذي يراقب الازدحامات المروريـــة ويـــوفــر المعلومـــات لجهـــــات إدارة السيـــر مــــثل نظــام (ANRP)، كما يمــــكن استـــــخدام المجـــسات الأرضـــية
(Inductive Loop Detection)التي توضع على الطرق قبل نقطة الإشارة الضوئية لتسجيل مرور السيارات وذلك لهدفين، تقصير مدة وقوف السيارات على الإشارة الضوئية وتوفير المعلومات لإدارة المرور، ويوجد أيضاً كاميرات لمراقبة المسارات المرورية (Video Vehicles Detection) تراقب كل مسار من خلال نظام الكاميرات المتعدد وتوفر المعلومات لإدارات السير، وأخيراً هنالك أنظمة التحذير من الاصطدام (Collision Avoidance Systems) توفر المعلومات للسائقين عن الحوادث في المسارات وبالتالي تقلل الازدحام المروري وذلك من خلال توفير معلومات عن التّكدس المروري لاختيار طرق بديلة.
أما النوع الثاني فهو الأنظمة الشخصية التي يستعملها السائقون أنفسهم من خلال تحميل تطبيقات وبرامج على أجهزتهم الذكية تمكّنهم من التخطيط للمســـــارات واختيار أفضــــل الطرق إلى المــــكان الذي يودون التوجــه إليه بأقل وأســـــرع وقــت، ومنها نذكــر ((Route 4me, Smart Ride, Trip Planner وغيرها، وهنالك تطبيقات تسمح بالتنقل الجماعي Sharing) Ride) حيث يستخدم 10% من المسافرين التكراري في الولايات المتحدة هذا التطبيق ومنها (Avego, Uber)، كذلك هنالك تطبيق أمان التنقل (Traffic Safety) حيث يقوم بمراقبة مؤشرات السيارة مثل السرعة، موقعها، رقم اتصال الشرطة، ويمنع استخــــــدام أجهــــــزة الاتصــــــالات للتواصــــــل الاجتمـــــاعي ويرســـــل موقـــــع السيارة عند حصــــــول حـــــــادث ومـــــــن هـــــذه التطـــبيقــــات (Drive Safely ، Speed، No Texting) وغيرها، وهنالك ايضاً تطبيقات أماكن اصطفاف السيارات والتي تقلل من تكــــــــرار محــــــاولـــة الاصطفــــــاف بشـــــــــكل سليــــــــم وبالتــــــــالي تقليــــــــل استهـــــلاك الوقـــــود وانبعـــــاث التلـــــوث مثـــــل تطبــيـــــقات (Nice City Nice Parking, Best Parking,) وغيرها، وهنالك تطبيقات توفر معلومات عن الطرق المزدحمة، الحوادث على الطرق والتي تساهم بتقليل وقت التنقل وتقليل الازدحام المروري وتقليل انبعاـــث الغازات مــثل (TDOT Smartway NM Road, Sigalert.com).
إن الحد من الأزمة المرورية وسلبياتها تحدي يتطلب تشاركية عالية بين المؤسسات الحكومية والمواطن كما ذكرنا سابقاً، لا يمكن التركيز على جانب دون الاخر انما يجب أن يكون هنالك تشاركية ايجابية، ففي الأردن نواجه أزمة حقيقة في النقل على مستوى التنقل الشخصي، فكم مرة توقّفنا عند إشارة ضوئية وجميع المسارات الأخرى غير مشغولة، وكم مرة وجدنا أنفسنا في مسار متوقف تماماً وكم مرة اخترنا الطريق المزدّحم رغم وجود الكثير من البدائل، لقد أصبح من الضروري البدء باستخدام التكنولوجيا للحد من هذه الأزمات المرورية، على أن يتم الأخذ بعين الإعتبار في ذات الوقت القرارات الإدارية التي قد توّلد ازدحامات مرورية مثل ترخيص محلات بيع الوجبات السريعة على الشوارع الرئيسية وتوليد نقاط اختناق من مؤسسات خدمية كبيرة، ولا بد لنا من نظرة شمولية استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار جميع العوامل المؤثرة على الازدحام المروري وصولاً إلى خفض فاتورة الطاقة وتقليل التلوث واستخدام الطرق بكفاءة لتوفير الجهد والوقت.