العملة الافتراضية بتكوين (Bitcoin)
الدكتور المهندس غازي الجبور
رئيس مجلس مفوضي هيئة تنظيم قطاع الاتصالات
اجتاحت فكرة التداول بالعملات الرقمية في الفترة الماضية العالم بأسره، وبالأخص التداول بعملة البتكوين) (Bitcoin والتي شهدت تقلباً في أسعار صرفها ارتفاعاً وانخفاضاً وبشكل غير مسبوق، والبتكوين هي عبارة عن عملة إلكترونية (Digital Currency) يتم تداولها عبر الانترنت وليس لها اي وجود فيزيائي حقيقي، ويُعتقد أن مهندس الكمبيوتر الأميركي والياباني الأصل ساتوشي ناكاموتو (Satoshi Nakamoto ) هو من اخترعها عام 2008، ومن الجدير بالملاحظة أن التعامل مع هذه العملة ومثيلاتها يتم دون مراقبة من أي جهة حكومية أو دولية تكفل قيمتها كما هو واقع الحال مع العملات الأخرى، والتي تكون مكفولة بمخزون الدول من الذهب و/أو التمكين الاقتصادي.
ومن المعروف أن عملة البتكوين ليست العملة الرقمية الوحيدة، فهناك على سبيل المثال لا الحصر عملات الـ (Litcoin, Ripple, JOTA, Ethereum)، وقد وصل الحجم السوقي لعملة البتكوين (72) مليار دولار في تشرين الأول 2017 بينما كان لعملة (Ethereum) 28 مليار دولار في حينه، وبدأ سعر البتكوين بالارتفاع بشكل متسارع وبنسبة (600%) في الأثني عشر شهراً الماضية وبنسبة (1600%) في العامين الماضيين حسب ما جاء بالجارديان البريطانية.
وعلى الرغم من ارتفاع حجم البتكوين السوقي، غير أن أوجه وخيارات استخدامها ما زال محدوداً باستبدالها بالبضائع، أو تحويلها إلى نقد. إذ يمكن لمتداولي عملة البتكوين استبدالها ببضائع من شركات وسلاسل تجارية مشهورة تقبل بيع منتجاتها مقابل هذه العملة والتي يقدر عددها بـ (100) شركة وسلسلة تجارية في الولايات المتحدة، مثل شركة (CVS) للأدوية وشركة (Dell)و (Tesla) ومحلات (SEARS) و(Microsoft) وغيرها. كما ويمكن لمستخدمي البتكوين بيعها وشراء عملات حقيقية ورقية مثل اليورو أو الدولار أو العكس، وذلك من خلال مصارف متخصصة بعد أن يقوم المستخدم باستحداث محفظة بتكوين شخصية تعد مثل الحساب البنكي الخاص وبواسطتها يمكن التعامل مع عدة عملاء يمكن الحصول على قائمة بأسمائهم من خلال موقع ((www.bitcoin.org، ومن خلال أجهزة الصراف الآلي (ATM) لبيع البتكوين من خلال مبادلته بالعملات الأخرى.
ويمكن الحصول على عملة البتكوين من قبل المنقبون عن طريق عملية تسمى التعدين أو التنقيب (Mining)، حيث يقومون بتسجيل عمليات التداول فيما بين المتداولين في سجل يحتوي على مفاتيح خاصة سرية وعامة، وكل سجل يسمى بلوك (Block). وكون هذه العملية تتم بين المتعاملين دون أية رقابة من أحد، أي التداول من واحد لآخر (Peer- to- Peer)، فإن المنقبون بحاجة إلى استخدام حواسيب فائقة القدرة تستطيع متابعة عمليات التداول، حيث يقوم المنقبون بعمليات الكترونية واستخدام ألآت تشفير معقدة تسمى بالهاش تضمن إرسال سجل تداول (بلوك) حقيقي دون أي عبث أو تزوير. وعملية التشفير لها ضوابط للتأكد من صحة الإجراءات الضامنة لعملية التداول الصحيح، وهو يماثل في الإجراء التقليدي، وساطة البنك، وكل من يقوم بهذه العملية يسمى منقباً، وكلما زاد عدد المنقبين زادت العمليات اللازمة للتنقيب وذلك لكثرة الاحتمالات. ويقوم المتداولون بوضع جزء معين من البتكوين كجائزة لكل منقب يجري عملية التنقيب بنجاح، وهذه العملية مكلفة من حيث قدرات حاسوبية مميزة واستخدام للطاقة بشكل كبير وهنالك أجهزة مخصصة لهذه الغاية (Bitcoin Miners) وفي لندن يوجد هنالك مراكز بيانات (Data Center) تعمل على مدار الساعة.
وقد تباينت آراء المختصين عالمياً في الفترة الأخيرة حول عملة البتكوين ورأي الغالبية العظمى أنها مجرد فقاعة مالية قد تؤدي إلى وقوع كارثة نقدية مستقبلاً، وقد فسر بعضهم أن سر الزيادة المتسارعة في الإقبال على البتكوين هو بهدف غسيل الأموال أو لتسهيل الاتجار بالمخدرات، فعلى سبيل المثال قامت مؤخراً قناة (CNBC) الأمريكية بدراسة تحليلية لرأي الخبراء الاقتصاديين في وول ستريت (Wall Street) الأـمريكية حيث أفاد 80% من اقتصادييها بأنها فقاعة وقال 2% منهم أن البتكوين ليس لها أساس نقدي، وفي مقابلة محطة CNN)) الإعلامية مع صاحب جائزة نوبل في الاقتصاد جوزف ستجلتزJosph Stiglitiz) ) أكد بأن هذه العملة هي فقاعة يجب منع التداول بها، وأثنى على هذا الرأي صاحب جائزة نوبل للاقتصاد روبرت شلر (Robert Shiller) قائلاً أنها سوف تنهار مثل انهيار سوق الأسهم الذي سبق الركود العظيم (Great Depression) في عشرينيات القرن الماضي، إضافة إلى ذلك ما نقلته محطة CNN تصريحاً للميلياردير مايك نوفجراتز ((Novogratz الذي أكد على أن البتكوين سوف تكون أكبر فقاعة في تاريخنا الحاضر.
ولا بد من الإشارة إلى أن الشريك المؤسس في أكبر موقع لتعاملات البتكوين (Bitcoin.com) والمسؤول الفني إميل اولدينبرغ (Emil Oldenburg) قد قام ببيع جميع ممتلكاته من البتكوين وقال إن الاستثمار في البتكوين هو أخطر استثمار حسب ما جاء في موقع (Business). كما أصدر مؤخراً، مفتي مصر فتوى أنه " لا يجوز شرعاً تداول عملة البتكوين والتعامل من خلالها بالبيع والشراء والإجازة وغيرها، بل ويمنع من الاشتراك فيها، لعدم اعتبارها وسيطا مقبولاً للتبادل من الجهات المتخصصة، ولما تشتمل عليه من الضرر الناشئ عن الغرر والجهالة والغش في مصرفها ومعيارها وقيمتها، فضلاً عما تؤدي إليه ممارستها من مخاطر عالية على الأفراد والدول، وأنها تشبه المقامرة ".
كما ذكرت قناة (CNBC) العربية مؤخراً بأن البتكوين انخفضت دون الـ 13 ألف دولار بعد أن خسرت ثلث قيمتها في خمسة أيام مسجلة بذلك أسوأ انحدار منذ عام(2013) بعد أن وصلت قيمتها (20) ألف دولار، وواصلت الهبوط حيث بلغت (12,650) ألف دولار في سوق ميتساب مسجلة هبوطاً بنحو 20% خلال يوم واحد، وذكرت مجلة (Fortune) خلال هذا العام أنها مرت بنكسات خسرت فيها أكثر من 30% من قيمتها. هذا وقد انخفض سعر البتكوين في شهر كانون ثاني من العام 2017 بعدما صرحت كوريا الجنوبية والتي تعتبر أكبر سوق للبتكوين حسب ما جاء بـ (فورتشن والجارديان)، بأنها تعد لقانون يمنع تداولها بين الأشخاص غير المعرفّين والسماح لسلطات تنظيم تداول العملات بإغلاق أي سوق تداول تظهر فيه هذه التعاملات بين أشخاص مجهولين.
أما بخصوص ما أثير من نقاشات حول سبب عدم اتخاذ الدول بشكل عام إجراءات تنظيم (Regulation) لهذه العملة فإنه يرجح أن حجمها في الاقتصاد العالمي مازال دون الـ 200 مليار، وهذه النسبة تُعد ضئيلة مقارنة بالناتج القومي العالمي حسب (الجارديان)، ويجدر الإشارة إلى ان البنك المركزي الهولندي قام بتوفير عملة رقمية مشابهة تسمى (DNB)، كما وقام البنك المركزي الاسكندينافي بتوفير عملية رقمية تسمى (e-krona) وذكرت صحيفة الديلي تلغراف البريطانية بأن بنك انجلترا المركزي سوف يصدر عملة رقمية مشفرة مرتبطة بالجنيه الاسترليني يتيح للمواطنين البريطانيون من خلالها اجراء عمليات البيع والشراء الرقمي.
وإذا أردنا الحديث عن رأي البنوك المركزية حول العالم ، فقد تضاربت الآراء بين معارضين بالأكثرية وعدد قليل من المؤيدين، حيث حذر كل من البنك المركزي الأوروبي، والفرنسي، والياباني، والهندي، والكندي، والاسترالي، والنيوزلندي، والروسي، والمغربي بالإضافة إلى مؤسسة النقد العربي السعودي من خطورة التعامل بهذه العملة ونصحوا مواطنيهم بعدم تداولها، في المقابل شجع البنك المركزي البرازيلي الابتكار في مجال التداول بهذه العملة.
محليا،ً قام البنك المركزي الأردني، والذي يعد الجهة المعنية بإقرار التعاملات النقدية بالعملات النقدية الإلكترونية، بإصدار تعميم في العام 2014 لكافة البنوك والشركات المالية وشركات الصرافة وشركات بطاقات الدفع يمنع فيه التعامل بالبتكوين، كما وقامت هيئة تنظيم قطاع الاتصالات بعدم السماح لأجهزة الـ (Bitcoin Miner) من الدخول إلى المملكة، وذلك لما يكتنفه التعامل بهذه العملة من مخاطر عالية تتمثل في تذبذب قيمتها بشكل كبير بالإضافة إلى مخاطر الجرائم المالية والقرصنة الالكترونية.
وبناءً على كل ما سبق، وكون البتكوين عملة رقمية لم تحصل على الاعتراف التنظيمي والعالمي، وثمة إرتفاع وهبوط متسارعين وغير مبررين في أسعارها فان هذا يشكل خطراً على المتعاملين فيها، كونه من الممكن أن تخسر بنسبة 20% من قيمتها خلال يوم أو يومين بالمقارنة مع العملات النقدية المعترف بها، والتي تمتاز بالاستقرار ما لم تتعرض اقتصاديات أوطانها للانهيار، أو أن تقوم هذه الدولة بتعويم عملاتها.
ويمكن الاستشهاد بتجارب محلية قريبة من هذا المفهوم، مثلما حصل في البورصة والبيع الآجل والتي ألقى فيها المواطنون اللوم على الجهات الرسمية، فنحن اليوم معنيين بإرسال تحذير من الاستثمار في مثل هذه العملات كونها خارج المظلة التنظيمية والرقابية ولا يوجد أي جهة ضامنة لها؛ بالإضافة إلى التذبذبات الحادة في قيمتها، ونشدد على ضرورة عدم الانسياق وراء ما يتم ترويجه حول هذه العملات الافتراضية، لما قد يترتب عليها من خسائر فادحة خصوصاً بما تتطلبه عملية التنقيب ((Mining من استهلاك كبير للطاقة الكهربائية وقدرات حاسوبية مكلفة.