في مئوية الدولة الأردنية،،، نجدد العهد والوعد
بقلم: الدكتور المهندس غازي الجبور
رئيس مجلس مفوضي هيئة تنظيم قطاع الاتصالات
بكل همة وعزيمة وإصرار، تخطو المملكة الأردنية الهاشمية خطوات ثابته نحو عتبات المستقبل التي أرساها الهاشميون الأوائل بدءاً بالأجداد منذ مئه عام مضت، حينما سارت القيادة الهاشمية على مبادئ الثورة العربيه الكبرى وتأسيس إمارة شرق الأردن في عام 1921 في عهد المغفور له جلالة الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين إلى إصدار الدستور في عهد الملك طلال بن عبدالله، والنهوض بمسيرة العطاء والبناء في عهد الملك الباني الحسين بن طلال، لتستمر مسيرة الشرف والعزه في عهد الملك المعزز عبدالله الثاني ابن الحسين وركيزتها الازدهار والرفعه وبناء المؤسسات والمجتمعات رغم التحديات والاضطرابات التي عصفت بدول كثيرة تهاوت معها اقتصاديات كبرى وأعادت تشكيل تحالفات دولية استطاع الأردن خلالها من تحويل تلك التحديات إلى فرص تسهم في اعتلائه مكانة اقليمية ودولية مؤثره على مختلف الأصعدة.
لقد حرص جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم منذ اعتلائه العرش على تعزيز قيم المواطنة الصالحة وبناء انموذج راسخ لأردن المستقبل، من خلال تذليل كافة الصعوبات التي أعاقت وتعيق التقدم والبناء والتطوير، وتعزيز مرتكزات العملية التنموية المتمثلة في العنصر البشري والتكنولوجيات واستقطاب الاستثمارات، إيماناً منه أن الأردن وعلى الرغم صغر حجمه الجغرافي الا انه يمتلك موارد قل نظيرها في العالم، فجاء الرهان على العنصر البشري الأردني، الذي اثبت وبرعاية ملكية متواصلة أنه قادر عى إحداث التغيير على المستوى الدولي والانخراط في إحداث التغيير الإيجابي في المجتمعات العالمية المختلفة في كافة قطاعات العمل المختلفة، بالتوازن مع الدعم الملكي المستمر والرؤية الثاقبة لجلالته بأن مستقبل الشعوب والمجتمعات مرهون بالتقدم التكنولوجي وتطور التقنيات والتي ستسهم في تحسين مستوى المعيشة للأفراد وتعزيز اقتصاديات الدول على حد سواء، حيث برز لقطاع
الاتصالات دور كبير في تعزيز منظومة الأداء لقطاعات الاعمال المختلفة، واصبح ركيزة اساسية وبنية تحتية ضرورية لا بد ان تعتمد عليها قطاعات العمل المختلفة في تطوير الاداء والمهام.
وبالعودة للسرد التاريخي لتطور قطاع الاتصالات في الأردن منذ تأسيس الدولة الاردنية، فإننا على يقين أن هذا التطور جاء ملازماً لتطور كافة القطاعات المختلفة ومبنياً على الامكانات البشرية والفنية التي صاحبت تطور المملكة في القطاعات كافة انذاك، ففي عام 1921 تم انشاء دائرة البرق والبريد والتي تولت تقديم خدمات التلغراف والبريد لإمارة شرق الأردن، مروراً بإنشاء وزارة متخصصة للمواصلات في عام 1951 كرست جهودها لتحسين وتوسيع خدمات الاتصالات الهاتفية والبرقية بما يتلاءم وحاجات البلاد، حيث أصبحت مسؤولة بشكل كامل ومباشر عن كافة الاتصالات الوطنية داخل المملكة، وفي عام 1971 تم انشاء مؤسسة المواصلات السلكية واللاسلكية حيث تولت تأمين الاتصالات السلكية واللاسلكية الأرضية منها والفضائية للمملكة وتنظيمها، وصولاً الى عام 1992 حيث تم تغيير اسم وزارة المواصلات الى وزارة البريد والاتصالات، وفي عام 1993 تم السماح للقطاع الخاص بالاستثمار في مشاريع الاتصالات من خلال منح أول رخصة لتشغيل خدمة الهواتف المتنقلة العامة في عام 1994.
ونتيجة للاهتمام الملكي بضرورة تطوير القطاع انذاك، أُنشئت هيئة تنظيم قطاع الاتصالات بموجب قانون الاتصالات رقم 13 لسنة 1995، وفي عام 1999 تم منح الترخيص الثاني لتقديم خدمة الهواتف المتنقلة في المملكة، الى أن أصبح الأردن في عام 2000 عضواً كامل العضوية في منظمة التجارة العالمية، حيث قدم الأردن التزاماته فيما يتعلق بقطاع الاتصالات والتي تضمنت تحرير قطاع الاتصالات بالكامل بنهاية عام 2004، في هذه الأثناء وفي عام 2002 تم تعديل قانون الاتصالات بموجب القانون المعدل لقانون الاتصالات المؤقت رقم 8 لسنة 2002 والذي بموجبه تم تغيير اسم وزارة البريد والاتصالات الى وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتأكيد على استقلالية هيئة تنظيم قطاع الاتصالات ،كما اناط بالهيئة مهام تنظيم خدمات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في المملكة.
وتنفيذا للالتزامات تجاه منظمة التجارة العالمية، صدرت في عام 2003 وثيقة السياسة العامة للحكومة في قطاعي الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وقطاع البريد، والتي أكدت عزم الحكومة تحرير القطاع الفرعي للاتصالات الثابتة مع نهاية عام 2004، وانهاء الاحتكار الثنائي لشركتي الهواتف المتنقلة في بداية العام 2004، تلاها إصدار وثيقة السياسة في الاعوام 2007، 2012، 2018 رسمت كل منها خطة العمل وخارطة الطريق وفقاً لمجريات الاحداث المحلية والدولية على صعيد التكنولوجيا واندماج الخدمات المتنوعة آنذاك، وصولاً إلى انتشار خدمات متقدمة حالياً من خلال ادخال التكنولوجيات المتنوعة لتقديم خدمات الهواتف المتنقلة وخدمات الانترنت والخدمات البريدية وغيرها من الخدمات على النحو الذي يلبي احتياجات المستفيدين.
إن التطور المتسارع لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وقطاع البريد على المستوى الدولي يؤكد لنا أن انشاء هيئة لتنظيم هذه القطاعات لم يكن من باب الترف العابر، بل حاجة ضرورية وملحة بهدف خلق التوازن المطلوب بين كافة أطراف المعادلة (الحكومة والقطاع الخاص والمستفيدين) على النحو الذي يكفل استقطاب الاستثمارات الخارجية وتوطين التكنولوجيا وتذليل العقبات التي تحول دون الرقي بتلك القطاعات لتلعب دوراً رئيسياً في تطور القطاعات الاخرى. حيث سطرت الهيئة انجازات رائده على المستوى المحلي والاقليمي والدولي، وسعت إلى رفد السوق الأردني بخدمات اتصالات رائدة متنوعه، وستسعى إلى مواكبة التطورات العالمية في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والبريد وعكس الخبرات والتجارب العالمية على السوق الأردني على النحو الذي يلبي حاجات المستفيدين وفق الامكانات الفنية والبشرية التي نفتخر بهما على الدوام.
وها نحن ندخل المئوية الثانية من عمر الدولة الاردنية، نحمل في جعبتنا الإرادة والعزيمة والأمل، ونستشرف رؤى ملكية سامية طالما راهنت على قدرة قطاع الاتصالات الاردني على قيادة مسيرة الانجاز لقطاعات العمل الأخرى، وذلك لما للتطورات العالمية المتسارعة في هذا القطاع من أثر مباشر على تحسين حياة الشعوب وتعزيز التنمية المستدامة لكل البلدان، من خلال استثمار القدرات والمعارف البشرية واطلاق العنان للإبداع والابتكار بهدف جعل العالم قرية كونية صغيرة، تربطه وسائل اتصال مبدعة، وتعطي الامل بالحياة الفضلى وتكاتف الشعوب.
سنبقى يا سيدي على العهد والوعد، فكما سار الأجداد والآباء متكاتفين يداً واحدة، سنبقى سائرون في خندق العطاء والتضحية،، جنوداً أوفياء لعرشكم الهاشمي ولأردننا الغالي .. ليبقى الأردن وطناً شامخاً انموذجاً لكل الأوطان.